فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الهون متعلق ب {يمشون} أي: يمشون على الأرض مشيًا هونًا.
قال ابن عطية: ويشبه أن يتأوّل هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هونًا مناسبة لمشيه، وأما أن يكون المراد صفة المشيء وحده، فباطل، لأنه ربّ ماش هونًا رويدًا، وهو ذئب أطلس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكفأ في مشيه كأنما يمشي في صيب.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَمًا} ذكر سبحانه أنهم يتحملون ما يرد عليهم من أذى أهل الجهل والسفه، فلا يجهلون مع من يجهل، ولا يسافهون أهل السفه.
قال النحاس: ليس هذا السلام من التسليم إنما هو من التسلم، تقول العرب: سلامًا أي: تسلمًا منك أي: براءة منك، منصوب على أحد أمرين: إما على أنه مصدر لفعل محذوف أي: قالوا: سلمنا سلامًا، وهذا على قول سيبويه، أو على أنه مفعول به أي: قالوا: هذا اللفظ، ورجحه ابن عطية.
وقال مجاهد: معنى {سلامًا} سدادًا، أي: يقول للجاهل كلامًا يدفعه به برفق ولين.
قال سيبويه: لم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلموا على المشركين لكنه على قوله تسليمًا منكم، ولا خير، ولا شرّ بيننا وبينكم.
قال المبرد: كان ينبغي أن يقال: لم يؤمر المسلمون يومئذٍ بحربهم، ثم أمروا بحربهم.
وقال محمد بن يزيد: أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة.
قال النحاس: ولا نعلم لسيبويه كلامًا في معنى الناسخ، والمنسوخ إلاّ في هذه الآية، لأنه قال في آخر كلامه: فنسختها آية السيف.
وأقول: هكذا يكون كلام الرجل إذا تكلم في غير علمه، ومشى في غير طريقته، ولم يؤمر المسلمون بالسلام على المشركين، ولا نهوا عنه.
بل أمروا بالصفح، والهجر الجميل، فلا حاجة إلى دعوى النسخ.
قال النضر بن شميل: حدّثني الخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت.
فإذا هو على سطح، فسلمنا، فردّ علينا السلام، وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابيّ إلى جنبه: أمركم أن ترتفعوا.
قال الخليل: هو من قول الله: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} [البقرة: 29] قال: فصعدنا إليه، فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير؟ فقلنا: الساعة فارقناه، فقال: سلامًا، فلم ندر ما قال، فقال الأعرابيّ: إنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شرّ.
قال الخليل: هو من قول الله {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَمًا}.
{وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّدًا وقياما} البيتوتة: هي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم.
قال الزجاج: من أدركه الليل، فقد بات، نام أو لم ينم، كما يقال: بات فلان قلقًا، والمعنى يبيتون لربهم سجدًا على وجوههم، وقيامًا على أقدامهم، ومنه قول امرئ القيس:
فبتنا قيامًا عند رأس جوادنا ** يزاولنا عن نفسه ونزاوله

{والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي: هم مع طاعتهم مشفقون وجلون خائفون من عذابه، والغرام: اللازم الدائم، ومنه سمي الغريم لملازمته، ويقال: فلان مغرم بكذا أي: ملازم له مولع به، هذا معناه في كلام العرب، كما ذكره ابن الأعرابي وابن عرفة وغيرهما، ومنه قول الأعشى:
إن يعاقب يكن غراما وإن يعـ ** ـط جزيلًا فإنه لا يبالي

وقال الزجاج: الغرام أشدّ العذاب.
وقال أبو عبيدة: هو الهلاك.
قال ابن زيد: الشرّ، وجملة: {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} تعليل لما قبلها، والمخصوص محذوف: أي: هي، وانتصاب {مستقرًّا} على الحال، أو التمييز، وكذا {مقامًا}، قيل: هما مترادفان، وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما، وقيل: بل هما مختلفان معنى: فالمستقرّ للعصاة، فإنهم يخرجون، والمقام للكفار، فإنهم يخلدون، وساءت من أفعال الذم كبئست، ويجوز أن يكون هذا من كلام الله سبحانه، ويجوز أن يكون حكاية لكلامهم.
ثم وصفهم سبحانه بالتوسط في الإنفاق، فقال: {والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} قرأ حمزة والكسائي والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب: {يقتروا} بفتح التحتية، وضم الفوقية، من قتر يقتر، كقعد يقعد، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح التحتية، وكسر التاء الفوقية، وهي لغة معروفة حسنة، وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية وكسر الفوقية.
قال أبو عبيدة: يقال: قتر الرجل على عياله يقتر، ويقتر قترًا، وأقتر يقتر إقتارًا، ومعنى الجميع: التضييق في الإنفاق.
قال النحاس: ومن أحسن ما قيل في معنى الآية: أن من أنفق في غير طاعة الله، فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله، فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله، فهو القوام.
وقال إبراهيم النخعي: هو الذي لا يجيع ولا يعرى، ولا ينفق نفقة، يقول الناس قد أسرف.
وقال يزيد بن أبي حبيب: أولئك أصحاب محمد كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبًا للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع، ويقوّيهم على عبادة الله، ومن اللباس ما يستر عوراتهم، ويقيهم الحرّ والبرد.
وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف، ولم يبخلوا كقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} [الإسراء: 29] قرأ حسان بن عبد الرحمن: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} بكسر القاف، وقرأ الباقون بفتحها، فقيل: هما بمعنى، وقيل: القوام بالكسر: ما يدوم عليه الشيء ويستقرّ، وبالفتح: العدل، والإستقامة، قاله ثعلب.
وقيل: بالفتح: العدل بين الشيئين، وبالكسر: ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص.
وقيل: بالكسر: السداد والمبلغ، واسم كان مقدّر فيها أي: كان إنفاقهم بين ذلك قوامًا، وخبرها {قوامًا}، قاله الفراء.
وروي عن الفراء قول آخر، وهو أن اسم كان {بين ذلك}، وتبنى بين على الفتح؛ لأنها من الظروف المفتوحة.
وقال النحاس: ما أدري ما وجه هذا، لأن بين إذا كانت في موضع رفع رفعت.
وقد أخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ ظَهِيرًا} يعني: أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل بن هشام.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} قال: قل لهم يا محمد: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر، يقول: عرض من عرض الدنيا.
وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عنه أيضًا في قوله: {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ في السماء بُرُوجًا} قال: هي هذه الإثنا عشر برجًا أولها: الحمل، ثم الثور، ثم الجوزاء، ثم السرطان، ثم الأسد، ثم السنبلة، ثم الميزان، ثم العقرب، ثم القوس، ثم الجدي، ثم الدلو، ثم الحوت.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً} قال: أبيض وأسود.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا يقول: من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار، ومن النهار أدركه بالليل.
وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن الحسن: أن عمر أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال: إنه بقي عليّ من وردى شيء، فأحببت أن أتمه، أو قال: أقضيه، وتلا هذه الآية: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَعِبَادُ الرحمن} قال: هم: المؤمنون {الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا} قال: بالطاعة والعفاف والتواضع.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: {هَوْنًا} علمًا وحلمًا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قال: الدائم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} قال: هم المؤمنون لا يسرفون فينفقوا في معصية الله، ولا يقترون فيمنعوا حقوق الله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعباد الرحمن} قال: هم المؤمنون {الذين يمشون على الأرض هونًا} قال: بالطاعة والعفاف والتواضع.
وأخرج ابن حاتم عن ابن عباس في قوله: {يمشون على الأرض هونًا} قال: علماء حكماء.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {هونًا} قال: بالسريانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: {هونًا} قال: حلماء بالسريانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله: {هونًا} قال: حلماء بالسريانية.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا} قال: بالوقار والسكينة {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: سدادًا من القول.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {يمشون على الأرض هونًا} قال: لا يشتدون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وابن النجار عن ابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن».
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الفضيل بن عياض في قوله: {الذين يمشون على الأرض هونًا} قال: بالسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: إن جهل عليه حلم، وإن أسيء إليه أحسن، وإن حرم أعطى، وإن قطع وصل.
وأخرج الآمدي في شرح ديوان الأعشى بسنده عن عمر بن الخطاب: أنه رأى غلامًا يتبختر في مشيته فقال: إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله، وقد مدح الله أقوامًا فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا} فاقصد في مشيتك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {الذين يمشون على الأرض هونًا} قال: تواضعًا لله لعظمته {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: كانوا لا يجهلون على أهل الجهل.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن محمد بن علي الباقر قال: سلاح اللئام قبيح الكلام.
وأخرج أحمد عن النعمان بن مقرن المزني: أن رجلًا سب رجلًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما إن ملكًا بينكما يذب عنك كلما شتمك هذا قال له: بل أنت. وأنت أحق به، وإذا قلت له: عليك السلام قال: لا. بل لك أنت أحق به».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وإذا خاطبهم الجاهلون} قال: السفهاء {قالوا سلامًا} يعني ردوا معروفًا {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} يعني يصلون بالليل.